بسم الله، كيف أستثمر ما عندي من قدرات حتى وإن كانت متواضعة لأنفع المسلمين؟ وكيف أكون عونا لهم لا عبئا عليهم؟ (١)
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
اعلم رحمني الله وإياك أننا على سفينة كبيرة جدا، وسط عاصفة هوجاء، وأمواج متلاطمة، السفينة فيها خروق متنوعة: خرق كبير جدا يُدخل الماء بسرعة وغزارة مخيفة، وخروق أصغر منه، بل وخروق بقدر الحصى الصغيرة.
واعلم أن هذه الثغور إن لم تُسدّ، أهلكت الجميع، وأغرقت السفينة، وإنك بصفتك راكبا من ركابها، يقع على عاتقك المساهمة بشيء مهما كان يسيرا لإدراكها، تُناول الخشب لغيرك، تدق المسامير، تنضح الماء، تستنجد وتصرخ، تستنفر الناس، تراقب العاصفة، تمسح العرق عن جبين العاملين، تصبّرهم، تدعو، توقظ النائمين، تبث الأمل في قلوب اليائسين، تقلل الخسائر، صدقني والله والله والله مهما كان حالك تستطيع أن تجد لنفسك عملا -مهما قل- يسهم في محاولة إنقاذ السفينة.
ولكن ...
١- اختيار ما ستفعله مهم جدا، فلا يمكن للضرير أن يراقب العاصفة، ولا للمشلول أن يحمل الخشب، ولا للضعيف أن يمسك حبل الشراع! فإن الأعمال إذا أخذها من لا يقدر عليها، وليس أهلا لها، كان ذلك مساهمة في تعجيل غرق السفينة وهلاك راكبيها.
٢- ثم اعلم أن من الغفلة القبيحة أن تذهل عن حال السفينة فتتسلّط على العاملين الذين يحاولون إدراكها، فتحاربهم وتسقطهم! وتطعنهم من الخلف! لأن ضجيج نفيرهم وطرق مساميرهم أيقظك من نومك! أو لأن لون الخشب لم يعجبك! أو لقصور في بعض أعمالهم! أو لأنه لا جدوى من العمل! فنحن غرقى!! أو..أو..أو..
٣- أو ترى نفسك الوحيد العامل فيها، نعم أنا أدق المسامير! من مثلي! أنتم ماذا قدمتم؟! طيلة أعماركم لم تفعلوا شيئا غير نضح الماء!! وأنتم؟ هل تفرحون بنقل الأخشاب!! وماذا ستفعل الأخشاب!! وأنتم تركتم "دق المسامير الثغر الأعظم" وجعلتم شغلكم الشاغل الصراخ وإيقاظ النائمين! حمقى مغفلين !! يجب على الجميع دق المسامير! فلن تنجو السفينة إلا بدق المسامير!!
٤- لا تترك ثغرك الذي يلائم قدراتك لأنه لم يعجبك! فتذهب لثغرٍ غيرِ ثغركَ والذي لا تقدر عليه، لأن الأضواء عليه! والحديث عنه! والعاملون عليه ممدوحون، ومحبوبون، هل تسعى لنجاة السفينة أم للأضواء وليتحدث عن بطولاتك الناس!؟
٥- أو تكون مخذولا فتغار ممن يسعى في محاولة الإنقاذ، فتبذل جهدك لتبرز على أكتافه بالطعن فيه! وتلبّس ذلك قالب الحكمة والنصيحة!! وما ذلك إلا هوى نفس، وإخلاد إلى الأرض، واتباع للشيطان، فلو أدركت خطورة الموقف لما قلت: لماذا يقف فلان لإصلاح الخرق الكبير وأنا فقط أحمل الأخشاب!!
- الواقف على الثغر إن لم يحمل له من دونه الخشب والمسامير، ويستغيثوا ويغيثوا وينذروا .... فلن ينجو أحد، فكما هو بحاجتكم، أنتم بحاجته، ومن هنا يُنظر إلى الأعمال بتكامل، ولا يحل لك أن تحاسب العاملين بحسب قربهم وبعدهم عن ثغرك الكبير أو الصغير!.
- كن بطلا على الثغر وإن لم يرك الناس: سمعنا بأبطال حقيقيين لقبوا بألقاب استمدت من نوع ثغرهم! فجزاهم الله خيرا، هذا بطل المسامير!، وهذا بطل النضح! وهذا بطل تثبيت الشراع! بعضهم لم يسمع به أحد، لكن الله جزاهم بما صبروا وبذلوا جنّة وحريرا.
المهم: قدّم ما تُحسِن، وادعُ لإخوانك، وإن كنت لا تحسن شيئا فتعلّم لتحسن شيئا، وإن لم تتعلم، فلا أقل من أن تكفّ أذاك عن العاملين وتدعو لهم.
إرسال تعليق